هاشم أمزيل يصوغ الحروفية وفق مشروع فني معاصر" - جريدة بيان اليوم"

هاشم أمزيل يصوغ الحروفية وفق مشروع فني معاصر" - جريدة بيان اليوم"

ترتكز التجربة التشكيليّة للفنان الحروفي هاشم أمزيل على تقنيات عالية، ما جعل أسلوبه غنيًّا بالمستجدات، ويتميز بمقومات جمالية وبتفاعليات فنيّة، على مستوى البناء الفضائي، وعلى مستوى التوظيفات الرمزيّة، وكذلك على مستوى الاستعمالات المضامينيّة والجهاز المفاهيميّ بكل تفاصيله. إن المبدع يشتغل وفق مشروع فنيّ، تطبعه الدّقة والتوظيف الفنيّ البديع، والعناية بقيم السطح، والتوظيف التقنيّ المحكم. ولعل مهاراته الكبيرة، وموهبته الذاتية، وقدراته الرائقة، وكفاءته التعبيرية؛ قد أسهمت جميعها في معالجة المواضيع المتنوعة التي يشتغل عليها.

وهو بذلك يُسهم في إبراز العمل الحروفي في صيغ تجريديّة مثقلة بالعلامات والأشكال والرموز، وذلك وفق ما قادته إليه تجربته الفنيّة، وحساباته التشكيليّة الدقيقة، للعب دور فعّال من خلال التعبير بأشكال حروفية وتجريدية، مكّنته من تحويل المجال الحروفي من شكله المعتاد إلى تشكيل حروفي معاصر جذاب، بوعي بقيمة الحرف والتجريد ودور كل منهما في صنع مسلك فنيّ جديد، وبوعي بأهمية الرمز وشكل العلامة، وبوعي بمستويات اللون، وبوعي بقيمة التناسب الشكليّ، وغير ذلك مما حملته تقنياته في هذه الصياغة الفنية، من ملمس، وخامات ناعمة. وبذلك فقد شكل هذا المسلك أرضية فنيّة أسهمت في إثقال أعماله الحروفية بالإيحاءات والدلالات المتنوعة. وجعلت من هذا المنجز إطارًا جماليًّا قوامه الانسجام، بتمثيل للمقومات الجماليّة وللرمز والعلامة والشكل؛ تسيطر جميعها بحمولتها الفنية على كامل التكوينات، إذ أضحت هذه المفردات والعناصر مركَزا لبعث الجمال،‏ وفق أنساق فنيّة متناغمة مع ضُروب متنوعة من التقنيات المستعملة، التي رامت الاشتغال على رشاقة التشكيل والحروفية، لتَنتُج عن ذلك جماليات وقيم تعبيريّة صرفة.

وقد أسهم المبدع من خلال مشروعه الفني تذويب الفارق بين الحرف والتشكيل؛ وفي المقابل صياغة مقاربة فنية، برؤية انتقالية من مجال حروفي يعتمد نوعا خاصا من التراكيب، إلى مجال الإبداع بالحرف والتشكيل في بؤر تجريدية، عن طريق صنع مجموعة من العلاقات الجدلية، التي تُدعم إشكاليّة السّر في الرمز والعلامة، وتُدعم كذلك المجال التعبيريّ. وهو ما يُعد ارتقاء صريحًا بالعمليّة الإبداعيّة في المنظومة التشكيليّة المعاصرة.

فمن جماليات ذلك؛ توظيفه للكتل والتركيبات اللونية والشكلية والحروفيات بشكل متجانس، وبتفاعليات فنية تنبض بالحركة. ولا شك أن القارئ يستشف عن قرب كل ذلك، وهو يتبدى حينا في تفاعل متحرك عبر الشكل واللون، ليُظهر الجماليات في نسق حسي منظم، وكذلك لاستجلاء أهم مناحي الجمال في المادة الحروفية وتأكيد جمالياتها داخل الفضاء التشكيلي.

ويبدو أن المبدع هاشم أمزيل يدري عن وعي ما تُنتجه عملية التوظيف للمساحة واللون، وما يقتضيه المعنى الحروفي من متغيرات فنية في النسيج الإبداعي المعاصر. وفي هذا النطاق نعثر في أعماله على نوع من التجديد، وذلك من خلال تطويع اللون والشكل والعلامات والرمز لخدمة المجال الحروفي، بما تتيحه تلك العناصر من وظائف بنائية ودلالية، وباستحضار الأبعاد القيمية التي تترسب في عمق المادة الحروفية، إذ يمنحها شحنات من الابتكار قبل أن تتمركز فيما تستدعيه اللوحات من ميزات التشكيل وخاصيات التعبير.

ومن هذا المنطلق يستطيع الفنان هاشم أمزيل أن يثبت ما تحمله تقنياته العالية من إبداع، ليُبدي من خلاله أفكاره، ويُجسد تعبيراته التي يتقصد بها مختلف المضامين.

إنه يبني أسلوبه الحروفي بإبداع يترصد من خلاله معنى الجمال الحروفي، بطاقة إبداعية تُمكّن من الفهم الإيجابي. ما جعله يُرسي قاعدة من التشكيلات الحروفية التي تُجسد اختياراته الفنية الموفقة. فتجربته قادته لاستخلاص العديد من العوالم التي ينبني عليها الفن الحروفي المعاصر، بآليات تشكيلية جديدة تتبدى فيها الجرأة، وتظهر فيها المادة التعبيرية بشكل مختلف، ما يفصح عن درجة من القدرة على إنتاج أعمال فنية مثقلة بالإيحاءات والرمزية. إن هذا التوافر يجعل من أعمال المبدع تصريفا للحروفية والتشكيل في سياقات مختلفة، تُقوي الصفات الظاهرية لعالم الشكل. وبذلك فإنه يرتقي بأسلوبه الحروفي ومشروعه الفني إلى حيز إبداعي يُشرك الرؤية البصرية، حيث تظهر أعماله دالة على سيميولوجية ثقافية وفنية.

بقلم: الدكتور محمد البندوري

Hachem Amzil "When life shines" CC BY-NC-ND 4.0

Hachem Amzil "When life shines" CC BY-NC-ND 4.0

Hachem Amzil "The call of serenity in a maze of sounds" CC BY-NC-ND 4.0